Friday, April 5, 2019

وفي مناسبات أخرى انتقدت الفساد والسياسيين الفاسدين

كانت لحظة الإفراج عنها لحظة تاريخية، وقبلت المحكمة فكرة أن السيدات ضحايا سوء المعاملة ربما يكون رد فعلهن "بطيئا" وليس فوريا.
وأرسلت بالفعل رسالة تقول إن المرأة التي تقدم على القتل، تفعل ذلك نتيجة عنف منزلي سافر ولا ينبغي اعتبارها قاتلة بدم بارد.
وتقول برانغا : "نستطيع تغيير الاتجاهات الفكرية في مجتمعاتنا، كان الناس يعانقون كيرانجيت ويرونها بطلة، بدلا من كونها عدوانية ينبذونها".
وأضافت : "كانت تلك لحظة مهمة في تاريخ كفاح المرأة ضد العنف في هذا البلد، خاصة فيما يتعلق بنساء الأقليات، لأنها المرة الأولى التي حدث فيها تفكير وتقبل وإقرار بوجود عنف قائم على أساس الجنس، وأن بعض الطرق التي نعامل بها المرأة مسؤولة إلى حد ما".
وتبقى دعوى استئناف كيرانجيت أبرز قضية لدى منظمة "ساوثهول بلاك سيسرتز" منذ تأسيسها قبل 40 عاما.
وبينما تحتفل المنظمة بعيدها السنوي، عرضت فيلما تناول القضية باسم "مستفزة"، خلال عطلة نهاية الأسبوع ضمن فعاليات مهرجان السينما الآسيوية في بريطانيا الذي يستمر حتى مايو/أيار المقبل.
وتقول برانغا إن قضية العنف ضد المرأة داخل الجاليات لم تسجل تراجعا، بل تتزايد.
وتضيف : "سواء كانت هذه الزيادة بسبب وجود عدد أكبر من الأشخاص الذين يبلغون عن تجربة العنف أو إذا كان السبب هو الزيادة، فهو سؤال صعب الإجابة".
في ذات الوقت تقول كيرانجيت، التي لاتزال تعيش في إنجلترا، إنها فخورة بالطريقة التي أعادت بها بناء حياتها بعد ثلاثين عاما.
وتقول : "أعمل بجد، لدي وظيفة، وتخرج الأبناء في الجامعة وأصبحت جدة. ثلاثون عاما أشبه بكابوس".
تظهر لقطات سجلتها كاميرات المراقبة سيارة بيضاء تدخل أحد أزقة بغداد ببطء؛ يهرع رجل يرتدي ملابس بيضاء نحو مقعد السائق، ويتوقف برهة، ثم يركض باتجاه دراجة نارية يقودها رجل ثان.
تتابع السيارة البيضاء تحركها ببطء في الزقاق.
داخل السيارة تارة فارس، أكثر نجمات وسائل التواصل الاجتماعية العراقية إثارة للجدل، تصارع الموت بعد إطلاق النار عليها.
عادت "عيوش" إلى مدينتها بغداد صباح يوم 27 سبتمبر/أيلول، بعد رحلة قصيرة إلى تركيا، وقرابة الثالثة بعد ظهر ذاك اليوم، وبينما كانت تهم بتشغيل سيارتها، تلقت مكالمة من رقم محمول لا تعرفه. "هاللو عيوش، الحمد لله على السلامة، أنا تارة، شلون كانت سفرتك؟ نلتقي اليوم؟".
لم تبرح تفاصيل تلك المكالمة ذاكرة عيوش أبدا.
ذاع صيت عيوش في العراق لأنها من أوائل الشابات اللاتي عملن "دي جي"، وكانت تمزج الموسيقى الغربية بالأغاني المحلية، كما تعمل في مجال تنسيق الحفلات. أما سبب شهرة تارة فارس فمختلف؛ إذ حصلت على نحو 2.7 مليون متابع لها على موقع انستغرام الذي تستعرض عليه أزياءها المتنوعة، والوشوم التي تنقشها على جسدها، فضلا عن أساليب التجميل المحتلفة التي تبنتها، وكثيرا ما نشرت فيديوهات قصيرة عن أسفارها وصور صفحات من كتب قرأتها، فضلا عن مواقف طريفة مرت بها.
خالطت عيوش وتارة نفس الأوساط حتى غدتا أكثر من مجرد معارف، لكن دون أن تصل علاقتهما للصداقة الوطيدة، وكان من المقرر أن تلتقيا في ذلك اليوم بحي المنصور ببغداد حيث يوجد مكتب عيوش، للاتفاق على تفاصيل حفل ترويجي لنوع من العدسات اللاصقة.
وبعد ساعتين من اتصال تارة، عاودت عيوش الاتصال بها للاتفاق على مكان اللقاء، ولكن، لم يجبها أحد.
حاولت الاتصال بها مجددا في نحو الخامسة والنصف مساء، وإذ بشاب يرد صارخا: "تارة فارس أطلقت عليها النار. تارة فارس أطلقت عليها النار".
لا شعوريا، فتحت عيوش حسابها على فيسبوك ووجدت منشورا تلو الآخر يتحدث عن مقتل تارة، ورأت صورة انستغرام حديثة لتارة وهي ترتدي فستان جينز يكشف أحد كتفيها على خلفية وردية نشرها كثيرون.
تقول عيوش، 37 عاما، واسمها الحقيقي عائشة قصي: "صدمت. انقلبت الدنيا. أصابني خوف وتوجهت فورا للبيت". وصلت أخبار مقتل تارة لأسرة عيوش التي خافت أن تلقى ابنتهم ذات المصير لأنها معروفة أيضا في البلد.
وسرعان ما انتشر الخبر.
كان الإعلامي ساري حسام، 22 عاما، برفقة أصدقائه بمقهى هادئ يلعبون الورق كعادة كثير من الشباب العراقي يوم الخميس، وصدم أيضا لخبر مقتلها خاصة وأنه كان قد أجرى مقابلة مصورة مع تارة قبل أشهر، وتحديدا في أبريل/نيسان 2018.
انتشر الخبر كالنار في الهشيم على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي لحظة أصبح مقتل تارة حديث الجميع في ذاك المقهى. لم يصدق ساري الخبر فحاول الاتصال برقم هاتفها المحمول ليسمع رسالتها المسجلة، وكانت مقطعا من أغنية "ووكينغ أون ووتر" للمغني إمينيم.
أما مجد، وقد آثر عدم الكشف عن اسمه الحقيقي، وهو أحد المصورين الذين التقطوا صورا لتارة، فاعتقد بداية أن الأمر لا يعدو أنه فرقعة دعائية؛ كمحاولة جريئة من تارة لجذب مزيد من الانتباه إليها.ما إن انتشر خبر مقتل تارة فارس حتى تحولت وسائل التواصل الاجتماعي في العراق إلى ساحة حرب؛ فقد كان موتها مثار جدل كما كانت حياتها. ولم يكد جسدها يوارى الثرى إلا وانتشرت تعليقات هجومية ونعتها البعض بـ"العاهرة". ولكن كان هناك أيضا من دافع عنها بشدة، فمثلا كتب أحد مستخدمي فيسبوك: "ربما كانت متحررة، وربما كانت تمثل ظاهرة شبابية سلبية، ولكن قبل أي شيء هي إنسانة عراقية".
قد لا يعتبر ما كانت تنشره تارة على انستغرام مثار جدل ألبتة في كثير من بقاع العالم؛ كان سينظر إليها على أنها شابة تعكس ذوقها في تنسيق الملابس وأسلوب حياتها. أما في العراق، فوشم الجسد وحده يعد مثار استهجان لدى كثيرين.
بدأت تارة بوشم صغير على أصابع يديها مصورا هلالا وسهما، ثم امتد على شكل زهرة على ذراعها، كما وشمت عبارة أسفل عنقها تقول "ما يهزك ريح"، وكلمة "علي" على كتفها الأيسر، وأظهرت أحدث صور لها وشما لوجه امرأة، ورأس أسد على امتداد معصمها.
ظهرت تارة في أغلب صورها ترتدي ملابس عادية: تي-شيرت بسيط، بنطالا فضفاضا، بنطالا قصيرا (شورت)، أو بنطال جينز، أو قمصانا طويلة، وتغير شعرها باستمرار طولا وقصرا وتغير لونه بين حين وآخر. لكن صورا أخرى، التقطت لها قبل وقت قصير من موتها، ظهرت فيها وهي ترتدي ملابس داخلية سوداء أو "بودي سوت" بلون الجسم أو صدريات أنيقة مع حلي زينت صدرها أو سترة لا ترتدي شيئا تحتها.
كانت تلك الصور كاشفة، وبالنسبة لكثير من العراقيين كان الكشف "أكثر مما يحتمل"، فضلا عن الوشم الذي نال نصيبا كبيرا من الانتقادات.
يقول المصور مجد (وهذا اسم مستعار) عن تارة إنها "كانت مختلفة؛ مختلفة بطريقتها ومختلفة بملابسها. باقي العارضات العراقيات متزمَتات .. أو بالأحرى ليست العارضة كذلك، بل إن أهلها أو مجتمعها هو الذي يجبرها على أن تكون كذلك. فمثلا من الصعب علي جدا إقناع عارضة أن تلبس قميصا يكشف أحد كتفيها".
أما تارة فلم تعبأ بأي شيء، وارتدت ما شاءت من ثياب.
كان محتوى تدويناتها خفيفا، أو حتى "تافها" في نظر البعض، كانت تسرد فيها أنشطتها اليومية من تناول الطعام في غرفتها، والذهاب إلى صالة الألعاب أو المطاعم مع الأصدقاء، فضلا عن السفر والموضة.
وشأنها شأن كثير من شباب وشابات العراق لم تكن تخف آراءها السياسية، بالأخص في بداية ظهورها، حين كانت شهرتها أقل، ولم تكن أبدا ناشطة بل شابة عراقية تعبر عما كان يجول بخاطرها دون تردد.
بدا العراق صيف عام 2015 على صفيح ساخن؛ حيث اندفعت الحشود في الشوارع مطالبين بإصلاحات سياسية، ومحتجين على تكرار انقطاع الكهرباء ونقص الخدمات الأساسية، وعجت ساحة التحرير بالمحتجين الذين أحاطوا بنصب الحرية.
يومها، قتل شاب من بين المحتجين، وعلقت تارة في قائلة: "الشرطة العراقية والجيش العراق أطلقوا النار على المتظاهرين (..) ليش هالشي؟ هذه أول مرة نشوف الكل متكاتفين بمكان واحد.. سني وشيعي وكردي كلهم ينشدون النشيد الوطني العراقي (..) يعني حلوة؟ شاب بعمر الورد يروح شهيد"